التدريس كممارسة مهنية تأملية.
ممارسات التدريس التأملي. |
أهمية التعليم التأملي:
تتطلب التطورات الحديثة في المنظومة التربوية من المعلمين إعادة تشكيل معارفهم ومعتقداتهم حول عمليتي التعليم والتعلم باستمرار. بحيث أصبحت هذه المعرفة جزءاً لا يتجزأ من برامج إعداد المعلمين. فمسؤولية المعلمين حول إخضاع عمليتي التعليم والتعلم إلى التحليل الناقد يضع على عاتقهم تحسين ممارساتهم التدريسية باستمرار، وانطلاقا من الاتجاهات المتنامية في التربية التي وجهت أنظار التربويين حول الاهتمام بالنظرية البنائية في التعلم. والتي ترى أن المتعلم يبني المعرفة من خلال عمليات التفاعل والاندماج مع المحتوى التعليمي والبيئة المحيطة واعتبار التأمل عاملاً مركزياً في عمليتي التعليم والتعلم. لذا كانت هذه التوجهات من العوامل التي ساهمت في انبعاث فكرة الممارسة التأملية في الحقل التربوي (Farrell, 2008). أشارت أدبيات الفكر التأملي إلى أن ممارسات المعلمين التأملية تعزز من معتقدات فاعلية ذواتهم التدريسية (Wenzlaff, 1994)، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على إحساس المعلمين بقدرتهم على تحقيق أهداف التعلم المنشودة، ومن ثقتهم بأساليبهم المستخدمة في التدريس، وبدرجة فاعليتهم المرتبطة بإنجازات طلبتهم، كما تؤثر أيضاً على اتجاهاتهم نحو سلوكهم التدريسي، وترفع كذلك من وعيهم تجاه أدوارهم الصفية (Huang et al.,2007). ويساعد التعليم التأملي المعلمين في زيادة الحرية الأكاديمية والتخلص من السلوك الروتيني، والتفاعل أثناء التبصر بجذب انتباههم وتحديد سلوكهم وتجنيبهم طرح السؤال التالي: أنا لا أعرف لماذا أفعل هذا اليوم؟ فقد ذكر ديوي أن نمو التفكير التأملي للفرد يأتي من خلال تنظيم خبراته وتأملها بما يمكنه من رسم منظوره في التعليم من جديد.
وتكمن أهمية هذا الموضوع في وجود علاقة مشتركة بين التعليم التأملي والتطور المهني للمعلم، وقد أكّدت (فاريل) من خلال ما توصلت لوجود علاقة بين التأمل والتطور وأن التأمل يؤدي إلى التطور بسرعة. وأكدت أن التطور الناتج من التأمل يؤدي إلى تحسين العمليات التي تجري داخل الغرفة الصفية والمخرجات التعليمية.
إنّ ممارسة التدريس التأملي، من قبل المعلمين المتأملين تتم بأسلوب بنيوي حيث يؤكدون فيه على اعتبارين رئيسين: (العلاقة بين ما يحاولون تدريسه وخبرات الطلبة السابقة، والعلاقة بين ما يحاولون تدريسه وأهداف طلبتهم الشخصية).
التعليم التأملي بين اللغة والاصطلاح :
لاستجلاء مفهوم التعليم التأملي لا بد لنا من وقفتين إحداهما لغوية والأخرى اصطلاحية. ولغويا تشير كلمة تأمّل في اللغة الإنجليزية على معان متعددة منها انعكاس الضوء أو الحرارة أو الأشعة من سطح ما، كما تشير أيضاً إلى التفكير والتركيز فيما يحدث داخل العقل. ومن معانيها أيضاً في اللغة الإنجليزية العودة إلى الوراء والتفكير في موضوع أو فكرة أو هدف ((Webester, 1993. وقد درج المترجمون العرب على استخدام كلمة تأمل في مقابل كلمة Refection وهو استخدام شائع في الكتابات الفلسفية لتشير إلى استفادة الإنسان من عملية التفكير في تصحيح مسار تفكيره أو عمله. والتأمّل في لسان العرب، تأملتُ الشيء أي نظرت إليه مُستثبتاً له، وتأمل الرّجل أي تثبّت في الأمر والنّظر. وقد اقترب المعجم الوسيط إلى حد بعيد من المفهوم الاصطلاحي حيث قال: تأمّل تلبّث في الأمر والنّظر، وتأمّل الشي وفيه: تدبّره وأعاد النظر فيه مرّة بعد أخْرَى ليستيقنه. أما من الناحية الاصطلاحية في مجال التربية فمصطلح التعليم التأملي يشير إلى عناصر وخطوات الخبرة العقلية التي يتلقاها المتعلم. بمعنى الأفعال العقلية والوجدانية التي ينشغل بها الأفراد في اكتشاف خبراتهم من أجل التوصل إلى فهم جديد.
مستويات التفكير التأملي:
لقد
ظهر لنا جلياً خلال القراءة في أدبيات التفكير التأملي ظهور مستويات عديدة وذلك
تبعاً للباحث وفلسفته التي ينطلق منها على ما يبدو. وإن بدت متشابهة وقريبة إلى
حدٍ منها، ومن أجل استجلائها وبيان دقائقها وخصائصها، سنقوم بذكر مجموعة منها، ولقد
عرّف ديوي التفكير التأملي بأنّه التفكير المتعمّق بالعمل بنيّة تحسينه ويتضمن
التفكير المتعمق عنصر الوعي بالأداء والسعي للعثور على معنى للأحداث (دواني 2003). ومن أجل ذلك يقوم الممارسون المتأملون ببناء مخزونٍ من الخبرة والدراية المهنية
ومهارات التفكير البعدي التي تساعدهم على تفحّص تفكيرهم وقاعدتهم المعرفية،
والتعمق في فهم المسائل المعقدة، وهذا يحتاج إلى مداولات وحوارٍ وتعاون واستعداد
لتحمل قدر أكبر من المسؤولية عن الأداء. كما يحتاج إلى صبر ومثابرة وقدرة على
الرّبط وإدراك العلاقات والإفادة من تجارب الماضي وما تحمله من معانٍ للحاضر.
1-
العقلانية التقنية: وهي التطبيق الفعال للمعرفة التربوية لتحقيق غايات مسلم بها
وليست محل تساؤل.
2-
الوصف والتأويل: وهي تحليل الافتراضات والقناعات التي تثوي وراء القرارات والخطط
وربطها بالقيم والاتجاهات.
3-
الحوار: ويتضمن المداولة والفهم ووزن وجهات النظر المتباينة واختيار البديل
الأفضل.
4-
التفكير النّاقد: ويشمل تفكيك المقولات وإعادة بنائها ورؤية الأهداف والممارسات في
ضوء المعايير الأخلاقية.
5-
تأطير وجهات النّظر المتعددة: ويضمن وضع العمل في سياقه المتعدد الجوانب مع ما
يترتب عليه من عواقب على كل سلوك يتخذ لأداء العمل.
§ المستوى التقني.
§ المستوى السياقي.
§ المستوى الجدي أو الحواري.
وقد
حدد Langer and Cdton سبعة مستويات للتأمل:
1)
عدم الاكتراث
بالتأمل في العمل (هذا ليس تأملاً).
2) وصف بسيط للسلوك أشبه بوصف لشخص عادي غير مهني (كأن يقول
المعلم: وضعت الكتب في متناول التلاميذ).
3)
صبغ الأحداث
التعلمية التعليمية بمفاهيم بيداجوجية (أضع أهدافاً لكل درس).
4) تفسير السلوك التعليمي باستخدام التقليد والتفضيلات
الشخصية (حافظت على الترتيب الذي اتبعه المدرس السابق، لأنه يساعد على الانضباط).
5) تفسير السلوك التعليمي باستخدام مبادئ بيداجوجية (كل يوم
نراجع التعلم السابق ونعززه حتى يحتفظ الطلاب بالمعلومات).
6) تفسير السلوك التعليمي باستخدام المبادئ البيداجوجية
والسياق التعليمي الأوسع (هؤلاء طلاب من أقلية لغوية، لذلك أعطيتها مزيداً من
الوقت).
7) تفسير السلوك التعليمي باستخدام الاعتبارات الأخلاقية
والمعنوية (في المرة القادمة لا بد من وضع سياسة لاستخدام الكتب والمواد التعليمية
حتى لا يقتصر التعليم على المحظوظين).
هذا
وقد حددت (جورجيا ) في (عطاري، 2005) ثلاثة عناصر ليمكن لنا أن نصف المعلمين
بالتأمليين، وهي:
§ المعرفة والإدراك
§ التفكير النّاقد
§ الاستقصاء القصصي.
ويرى اوسترمان وكوتكامب (2002) أن عملية التأمل تعزز لدى الممارس التأملي دافع الإحساس بالشك أو عدم الرضا ثم الانطلاق إلى فحص ما يقوم به. فالممارس في هذه الحالة يلعب دور الباحث حيث يبدأ بجمع المعلومات والبيانات مركزاً على سلوكه الشخصي ضمن السياق المهني، كما يأخذ دور الناقد الذي يراقب ويتابع أفعاله بحيث يقف بعيداً عن التجربة نفسها ويخطط خارج دائرة الفعل للملاحظة بعين الناقد. لأن الفرد إذا قام بتقييم ردود أفعاله وردود أفعال الآخرين فإنه يصبح بإمكانه الوصول إلى فهم أعمق للمشكلة وتطوير الحلول المناسبة لها. وقد اشار (Knowles, 2008) أن ممارسة التأمل هي العملية التي نتمكن من خلالها من توليد الوعي الذاتي وإلقاء الضوء على ممارساتنا أو ممارسات الآخرين الذين نعمل معهم لتشكيل معرفة أو طرق جديدة في العمل، ولذلك فإن ممارسة التأمل يمكن أن تتم بشكل فردي أو تشاركي من أجل إدراك أن بإمكاننا أن نتعلم من التأمل مع الآخرين. كما هو عليه الحال أثناء تأملنا الذاتي في ممارساتنا، وفي هذا السياق فقد أشار العديد من الباحثين أن مشاهدة الآخرين أثناء الممارسة ومناقشتهم في ممارساتهم وأعمالهم بعد إنجازها يولد لنا فرصاً من أجل أن نسأل أنفسنا بشكل غير مباشر عن ممارساتنا أيضاً.
دور التعليم التأملي في تحسين التّعليم:
لقد أكّد شون على أنّ العملية التأملية مبنية على الخبرة المهنيّة، وقريباً من هذا ما أضافه ديوي حين قال إنّ التعلّم أكثر ما يكون فعّالاً وأكثر ما يحتمل أن يقود إلى تغيير سلوكي عندما يبدأ بالخبرة، وبالتحديد بالخبرة التي تنطوي على مشاكل. حيث ربط جون ديوي التّأمل بالطريقة العلمية، فالتأمل هو شكل خاص من التفكير ينجم عن الشّك والحيرة في المواقف الحياتية التي يمر بها المرء مما يدفعه إلى البحث الهادف لجلاء الأمر مستعيناً بما تراكم لديه من استنتاجات مستمدة من التّجارب السابقة. وبذلك تكون وظيفة التأمل تحويل الحالة المتسمة بالغموض والحيرة والتناقض والفوضى إلى حالة من الوضوح والاتّساق يبقى مؤقتاً ورهناً بالظروف والاستنتاجات والحلول التي نتوصل إليها هي دائماً أولية وعلى الأكثر قد تتسم بالثبات النسبي وهذا ما يدفع إلى المزيد من التفكير والتجريب والمناقشة المستمرة والمتأنية (دواني 2003).
وقد أضاف Zeichner and Liston, 1996)) فكرة لطيفة حول مفهوم التأمل حيث يقرّان بأفكار كل من ديوي وشون ويضيفان إليهما بعداً جديداً وهو البعد الاجتماعي للتأمل. حيث يؤكدان أن التأمل والحوار بين المجموعات المتقاربة أفضل من التأمل والحوار الفردي، وأن التأمل مسألة لا تتم إلا من خلال سياق اجتماعي، ولا يمكن أن يثمر إلا في المجتمع الذي يعمل فيه المعلمون بصورة تعاونية. هذا ويحتاج المربون للتأمل لأنّ التعليم عمل معقّد غير روتيني يتطلب الكثير من الجهد والوقت وقدراً كبيراً من الحكمة والاستبصار، ذلك أنّه يتم في إطار سياق متعدد المتغيرات مما يجعل مشكلاته تتسم بالغموض. ويمكن النظر إلى الممارسة التأملية في هذا الإطار كبديل لعمليات النّمو المهني التقليدية حيث تؤدي إلى:
1-
زيادة الوعي الذاتي بالممارسة المهنية.
2-
تطوير معرفة جديدة ذات صلة بالممارسة المهنية.
3-
فهم أوسع للمشكلات التي تواجه الممارسين المتأملين.
ويعتبر
(أوسترمان وكوتكامب2002) أن الممارسة التأملية تعدّ قوّة فعّالة للتغيير
التّعليمي، ومنهجاً فعّالاً للتطوير المهني. إنّها طريقة متكاملة للتفكير والفعل
مركزة على التعلم والسلوك. وقد أوردا في كتابيهما أنّ الممارسة التأملية هي الوسيلة
التي يستطيع فيها الممارسون بموجبها أن يطّوروا مستوى أكبر من الوعي بالذات عن
طبيعة وأثر الأداء وعياً يخلق فرصاً للنمو والتطوير المهني.
ولنا
أن نستخلص من الادبيات المتعلقة بهذا المجال أن الممارس التأملي يلعب دورين مهمين،
أولهما يمكن تشبيهه بالممثل الدرامي. ومن ناحية أخرى هو ناقد في نفس الوقت يجلس
بين الجمهور يراقب الأداء ويحلله. وأنّ التفكير التأملي مصطلح قديم استحوذ على
اهتمام العديد من كبار المربين في كتاباتهم في علم النفس التربوي ولكن اختفى
الاهتمام به مع صعود نجم المدرسة السلوكية وبقي الحال كذلك حتى جاء ديوي وشون في
الثمانينات وأخذا بالكتابة عن أهمية التفكير التأملي في إعداد المعلمين أثناء
الخدمة وبعد ذلك انتبه الكثيرون لهذا المجال وطرأ تحول سريع بدراسة التفكير
التأملي عند المعلمين في ضوء أن الخبرة التعليمية تبنى بالتدريج من خلال المرور
بمواقف تعليمية معينة.
وعرفت (بنتغتون) التعليم التأملي على أنه التبصر من خلال الخبرة أو أنه مرآة تعكس خبرات الشخص وثمنت فكرة التعليم التأملي من خلال الإشارة إلى وجود علاقة موجبة بين التأمل والتطور. وافترضت ضرورة توجيه التطور الناتج عن عملية التأمل مما يؤدي إلى تحسين الممارسات التعليمية التعليمة التي تجري داخل الغرفة الصفية ومخرجاتها التعليمية وتأمين التطور من خلال توفير الدافعية لكل من المعلمين والطلبة من خلال التركيز على عملية التحليل والتغذية الراجعة والضبط المستمر والمنظم للممارسات التعليمية التعلمية التي تجري داخل الغرف الصفية. فالتعليم التأملي يمارس عن طريق الاهتمام بالطالب أكثر وإعطائه الحرية الأكاديمية الكافية في الصف.
وقد
حددت أربعة أسئلة قبل القيام بممارسة أو تطبيق التأمل:
1-
ما القوة التي تثير فاعلية التأمل؟
2-
ما الطرق والفعاليات والعمليات التي تعرّف أوتحدد التأمل؟
3-
ما القوة التي تقيد أو تجبر التأمل بأن يبقى في مكان أو محيط المدرسة؟
4-
ما أثر التأمل في تطور القدرات العقلية للمعلمين؟
وعليه
فإن الممارسة التأملية تمثل عملية استقصاء منظم ومضبوط، تمكن الممارسين من
الاستغراق في التفكير وفحص الظروف والاتجاهات المعززة لتحصيل الطلبة. فالشخص
المتأمل هو القادر على مواجهة الصعوبات والعراقيل الشخصية والمهنية وحلها ، من
خلال فهم المواقف بشكل مغاير للمألوف حتى وان بدت متشابهة، ثم اعتبارها مشكلة
بحاجة إلى حل بطريقة خارجة عن نطاق المعرفة المهنية (Norton, 1997). وتقود هذه العملية المعلمين نحو التنويع في أنماط تعليمهم، وتمكنهم من استحداث
بيئات تعليمية عادلة لجميع الطلبة، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على مهارات التأمل
الذاتي لدى طلبتهم (Sharp, 2003).
إضافة
لذلك يساهم التدريس التأملي في تعزيز الخبرات التشاركية للمعلمين والمكتسبة من
خلال أنشطة المناقشة والحوار، والتي بدورها تنقي وتحسن ممارسات المعلمين
التدريسية. كما وتنمي مهارات التفكير العليا لديهم (Wenzlaff,
1994).
وعليه
فإن المعلمين المتأملين هم (Farrell, 2008):
§ من يحاولون حل مشاكلهم الصفية.
§ الأكثر وعياً بمعتقداتهم وقيمهم التي يحملونها نحو
التدريس.
§ المشاركون في تطوير المناهج الدراسية، ويندمجون في جهود
التغيير المدرسي.
§ من يتحملون مسؤولية تطورهم المهني.
§ الذين يستجيبون لحاجات طلبتهم التربوية والانفعالية،
ويراجعون باستمرار أهدافهم التدريسية، وطرائقهم، والمواد التعليمية.
وان
مجموعة خصائص للمعلم التأملي وهي: اختبار طرق ومحاولات لحل معضلات الممارسات
الصفية، وإدراك التساؤلات والافتراضات والقيم التي تقوده إلى عملية التدريس إضافة
لإدراكه للسياق الثقافي للمؤسسة التي يعمل بها. كما أن لديه قدرة على تحمل مسؤولية
شخصية من أجل تطوير أدائه المهني (Warwick, 2007).
وتجدر
الإشارة هنا أن التأمل كعملية تتطلب توافر عاملي الوقت والخبرة، إذ يتطلب من
الممارس التوقف أو التأني، ثم ملاحظة مواقف التعلم. وعندها يتم توليد معارف مفيدة
من الخبرات السابقة ذات العلاقة، مما يمكن المتعلمين من إعطاء معنى لعمليات تعلمهم
(Tan & Goh, 2008). وتأخذ هذه العملية دورة كاملة تبدأ من
استحضار للخبرة، ثم وصفها، وتحليلها، وانتهاءً بالتدخل والعمل والتجريب (Rodgers,2002). أو الانتقال من تأمل الخبرة، ثم التعلم، فالتخطيط الذي يقود إلى تحسين مختلف جوانب
الممارسة المهنية (Ying &Leng, 2003).
ووفقاً
لــــ(Florez, 2001) فإن الممارسة التأملية تدخل في حلقة متصلة
من عمليتي المراقبة الذاتية والتقييم الذاتي، ضمن أربع خطوات متعاقبة. هي:
جمع
البيانات الوصفية حول ما يجري في الفصول الدراسية.
تحليل
البيانات التي تم جمعها، والمتعلقة بالمواقف والافتراضات، والمعتقدات، والأهداف،
والعلاقة بينها.
التخطيط
في كيفية وضع أنشطة أو بدائل يمكن أن تكون مختلفة عما سبقها، والتفكير كذلك في المعتقدات
التي تقف وراءها، بما يوسع نطاق التفكير في ما وراء البيانات التي تم جمعها.
تصميم
الخطة التي تتضمن رؤى جديدة، بغرض تحسين الممارسات التدريسية، بحيث يتم ربط
المعرفة بالممارسة، وبالخبرات المكتسبة، ثم اتخاذ القرارات، ومراقبة التأثيرات،
بحيث تتواصل هذه العملية بشكل مستمر ودائري.
وبغية
تمكين المعلمين من الانخراط بشكل قوي في الممارسات التأملية، ينبغي عليهم أولا جمع
المعلومات المتعلقة بسلوكهم التدريسي بشكل منتظم. ويساعد هذا الاندماج البحثي
المعلمين في تكوين منظومة من المعتقدات والافتراضات المتعلقة بممارساتهم، مما يجعل
عملية تحليل هذه الممارسات والسلوكيات مبنية على مؤشرات منهجية (Farrell,
2008).
كما
يعزز فحص واختبار المواقف والمعتقدات التربوية مهارات التعلم الذاتي لدى المعلمين،
بالإضافة إلى مهارة التفكير الناقد للممارسات الأمر الذي يؤدي إلى تعميق الفهم بأسس ومهارات التدريس باعتبار أن
التجربة وحدها غير كافية لتطوير الأداء التدريسي للمعلم (Bailey, 1997). وفي
هذا السياق عرف (Schon, 1983) نمطين من أنماط المعرفة التأملية يتمثل
الأول في التأمل أثناء الحدث والذي يتحقق أثناء عملية التعلم، ثم التأمل في الحدث
والذي يتطلب من الممارس التوقف والتفكير في كل ما تم إنجازه بعد الانتهاء منه. لاستعراض ووصف وتحليل وتقييم الموقف، وذلك للحصول على أفكار لتحسين الممارسة في
المستقبل وصولاً إلى بناء المعاني من الخبرة السابقة، ثم تحسين الإجراء أو الإنجاز
مستقبلاً. ويرتبط كلا النمطين بالعملية التي تمكن الممارس من إدراك المعارف
الشخصية وبنائها بحيث تقود إلى فهم جديد للذات المهنية من خلال مجموعة من
الممارسات حددها (McKay, 2008).
الخبرات
الصفية التي تمثل الأساس لبناء معتقدات المعلمين حول دورهم ودور طلبتهم في عملية
التعلم، وبالتالي تتخذ هذه التجارب كقاعدة لاتخاذ القرارات حول ما ينبغي على المعلمين
القيام به في فصولهم الدراسية الخاصة. ثم المعارف العامة والمتعلقة بمضامين
المحتوى التعليمي، وطرق إدارة الصف، وتقويم التعلم والتفاعل وغيرها، ثم القيم
الشخصية المكتسبة من تجارب الحياة الخاصة والتي بدورها يمكن أن تؤثر على القرارات
التي يتخذونها في ممارساتهم التعليمية الخاصة.
صفات المعلّم المتأمّل:
لقد
أوضح (دواني2003) بما لا يدع مجالا للشك أهمية إعدد المعلم بشكل تأملي لأنه إذا
تمسكنا بمعتقداتنا بطريقة دوغماتية ورفضنا احتمالية خطئها نكون بذلك قد أغلقنا
جمييع الآفاق الأخرى أمام تقدّمنا. وقد قدّم نموذج بريلاك المتكون من مجموعة من
الخطوات التي تساعد المعلم في التحليل التأملي للافتراضات والاعتقادات المتعلقة
بالتمدرس:
1-
أن يبدأ المعلم بتوضيح معتقداته الحالية المتعلقة بقضايا معينة وذلك لاختبار
الافتراضات التي تستند إليها، كطرح الأسئلة الآتية:
- ما المعرفة والمهارات التي يجب تعليمها
لمجموعات مختلفة من الطلبة؟
- إلى أي حد يحتاج المعلم إلى نقل خلاصة بعض
القيم والاعتقادات إلى جميع التلاميذ؟
-
إلى أي مدة يجب على المعلم أن يخاطب معرفة التلاميذ الثقافية وخبراتهم السابقة؟
-
إجراء مقارنات بين معتقدات المعلم ومعتقدات الآخرين من خلال المواد الدراسية
والقراءة والملاحظة والتحدث مع الآخرين عن أوضاع مهنية وغير مهنية.
(العقل المنقتح، الاندفاع الذاتي، المسؤولية)، هذا وقد أضاف إليها كمال دواني (مهارات الاستقصاء التقنية، مهارات حل المشكلة).
وخطوات
التأمل للمعلم قد تكون نقطة بدايتها الملاحظة الذاتية أو ملاحظة اآخرين لبعض
المواقف الحياتية المثيرة للإشكالات والتساؤلات، وهذه
الملاحظات توجه المسارات المحتملة للأفعال والأفكار اللازمة لمواجهة الموقف أو
المشكلة (Henderson, James, 1992).
وقد تبدأ عملية التأمل باكتشاف فجوة في
المعتقدات والأعمال، فقد يقوم المعلم مثلا بالتعبير عن معتقداته التربوية كتابة ثم
يفكر بعمق في كيفية تبلور تلك المعتقدات. حيث إن بعض المعتقدات التربوية تتشكل بفعل
الخبرات السابقة والمعتقدات التي قد يكون بعضها قابلاً للفحص وبعضها ليس كذلك. إنّ
اكتشاف المعتقدات التي تحرك الأفعال تمكن المعلم المتأمل من تكييف أفعاله لتتسق مع
المعتقدات التي يعلنها.
فيجب أنْ يصاغ الموقف التعليمي المحير على شكل
مشكلة ليتم حلّها، ويجب أن تقدم الأفعال المقترحة عل شكل افتراضات يتم اختبارها
عقليا وتطبيقياً وإخضاعها للنقد. لذلك لا مفر من أن يصاحب التأمل القلق وبذل
الجهود المضنية لتفكيك عناصر الموقف وإعادة تنظيمه بهدف التوصل إلى ترتيب منطقي
متسلسل لاستنتاجات موثوق بها وقابلة للتصديق. وبذلك فإنّ التأمل يحول الموقف
المحير إلى موقف مستقر نسبياً عن طريق توفير حل مبدئي للمشكلة. وبالتالي يمكن تصور
خطوات التأمل على النحو التالي:
1-
إدراك حالة الشك والحيرة
2-
التوصل إلى استنتاجات مبنية على اطلاع وخبرة
3-
اختيار مسار العمل
4-
اختبار الاستنتاجات والخيارات من خلال تفكير لاحق
ونستطيع
أن نخلص من هذا الحديث إلى أنّ صفات المعلم التأملي وخصائصه، من كلامهم أنه المعلم
القادر على:
§ التعرف إلى المشكلات التربوية.
§ الاستجابة للمشكلة من خلال إجراء مشابهة بينها وبين
مشكلات أخرى جرت في سياقات مماثلة.
§ تفحص المشكلة والنظر إليها من عدة جوانب.
§ تجربة الحلول المقترحة والكسف عن نتائج للحلول والمغزى
من اختيار كل حل.
§ تفحص النواتج المقصودة والنواتج غير المقصودة لكل حل من
الحلول المجربة وتقييم ما إذا كان الحل المقترح قد أدى النواتج المرغوب فيها.
§ وصف الأحداث الصفية
§ تحليل الأحداث الصفية
§ اشتقاق استدلالات للأحداث الصفية
§ توليد قواعد خاصة به لأصول التدريس
§ تقييم النظريات الشخصية القصيرة المدى
§ الوعي بما يجري في السياقات التعليمية من أحداث.
§ توجيه الإجراءات في السياقات التعليمية من أحداث
أدوار المعلم التأملي:
إنّ
من أدوار المعلم التأملي في تعليم التلاميذ التفكير التأملي
§ طلب تحري الأفكار المطروحة.
§ السير وفق إستراتيجيات استقرائية.
§ إزعاع الطلبة بالبدائل.
§ طرح الأسئلة المفتوحة.
§ الطلب إلى الطلبة محاسبة ما يجري في المناقشات الصفية.
§ التركيز في المناقشات الصفية على التباين.
§ البحث عن العمل.
§ احترام قيمة الرأي الفردي مع عدم إغفال أهمية الأغلبية.
§ التوضيح للطلبة بأن معارضة الفكرة ليس دليلاً على قلة
أهميتها.
§ الإصغاء لوجهة نظر الآخرين حتى يفهم ما يرمون إليه و
يحاكم أفكارهم.
§ إتاحة الفرصة للجميع للتعبير عن أفكارهم.
§ استخدام أسلوب الإقناع و الاقتناع باعتبارهما أسلوبين في
التعامل الاجتماعي الراقي.
§ توفير فرص للطلبة لاكتشاف التنوع في وجهات النظر في ظل
بيئة مدعمة.
§ تشجيع الطلبة على متابعة تفكيرهم و سبر جوانب القضية المطروحة.
§ أن لا يقبلوا ببساطة ما يقوله المعلم لهم، ومراعاة مشاعر
الآخرين.
§ السماح بحصول أخطاء.
و
أخيراً فإن المعلم يجب ان يتصف بأنه صاحب عقل منفتح، يستخدم معايير نوعية ، ويحترم
الرأي و الرأي الآخر و ينمي الاستقلالية الفكرية عند طلبته.
التقنيات (الأدوات) التي تساعد على الممارسة التأملية:
قد
تعددت الأدوات والتقنيات التي تلعب دوراً مهما في الممارسة التأملية وتنميتها،
ولكننا اكتفينا في هذا السياق. وحتى لا يطول بنا الحديث ذكر أهم تلك التقنيات دون
الدخول في تفاصيلها. ومنها:
§ الملف الوثائقي
§ التفكير بصوت عالٍ
§ الاحتفاظ بسجل للأفكار
§ تواصل العمل على الكفايات
§ البحوث الإجرائية
§ أشرطة الفيديو والأشرطة السمعية والتحليل التأملي لها
§ التقويم الذاتي المكتوب
§ استراتيجية حل المشكلات
§ النقاش
الآثار الإيجابية للممارسة التأملية:
أظهرت
بعض الدراسات التربوية العملية (عطاري 2005) أن ممارسة التأمل يؤدي إلى نتائج
إيجابية على أكثر من صعيد. ومن ذلك:
§ تعزيز الاعتقاد بفعالية الذات Self-efficacy
وذلك بالاعتقاد بأن النتائج المرغوب فيها ممكنة.
§ المرونة (القدرة على استيعاب آراء الآخر والتكيف مع
الظروف المتغيرة).
§ المسؤولية الاجتماعية (الاعتقاد بأن المعرفة لا تتم في
فراغ بل بمشاركة فعّالة ونقاش مع الزملاء).
§ الوعي (إدراك جميع العوامل التي تؤثر في عملية صنع
القرار ووضعها في الاعتبار).
§ التمكين (من خلال الحوار مع النفس والحوار مع الآخر حيث
يطور المعلمون مهارات البحث والتفكير الناقد والاستبصار عبر الحوار وتعزيز الأنماط
البديلة للتفاعل المهني.
§ زيادة التفكير في تحسين التعليم والاطلاع على الأفكار
الجديدة والمفاهيم الخلاقة.
§ زيادة الوعي بحاجات الطلاب والإمكانيات التعليمية
والمواد.
§ إثراء التوجه نحو حل المشكلات.
§ الانفتاح لأفكار جديدة وأساليب حديثة.
§ تحسين فهم الذات والاستعداد للنقد الذاتي.
§ زيادة الميل للتحليل الذاتي ومعرفة نقاط الضعف والقوة.
§ تحسين قابلية المرء للتعلم من أخطائه.
§ الاستعداد للإقدام.
§ إبداء حساسية عالية للآخرين في الجماعة التعليمية.
§ التركيز الشديد على تعلم التلاميذ
§ التنويع في أساليب التعليم والتعامل في غرفة الصف.
§ الوعي بالتعددية.
§ النخطيط والإعداد الجيد للتعليم.
§ تعزيز وإثراء الممارسات الفعالة.
§ إحساس كبير بالقدرة على تصريف الأمور في الفصل.
§ تزايد التعاون بين المدرسين عبر جميع المواد.
§ تعزيز الحافزية والاعتداد بالذات والثقة والحس بالأمن.
§ تعزيز معتقدات المدرسين الإيجابية نحو التدريس وكذلك نحو
مكانتهم الذاتية.
§ زيادة دافعية تحسين الذات والنمو المهني.
§ زيادة الاهتمام باستخدام البيانات.
§ زيادة الاهتمام بتشجيع التلاميذ على التأمل والتفكير
الناقد.
§ زيادة الاهتمام بتحليل التعليم.
§ الرغبة في مشاهدة الزملاء.
§ يصبح المعلمون أقر على مشاهدة فصولهم وتحليل أحداثها.
§ يزداد ميل المشرف للتأمل.
§ الطلاب يصبحون أكثر تأملاً.
تعليقات
إرسال تعليق
اضف ماتريد، رأيك مهم شاركنا به لطفا ... مع خالص الاحترام والمحبة