السياسة التربوية والوضع الراهن لأنظمة التعليم العربي |
السياسة التربوية والوضع الراهن لأنظمة التعليم العربي
نحاول بيان دور السياسة التربوية وعلاقتها بأنظمة التربية والتعليم. فمن ينظر في واقع الأجيال العربية المعاصرة يدرك حجم الخطر والمأساة
فآباؤنا أو لنقل الأجيال العربية التي تنتمي إلى النصف الأول من القرن العشرين لا ترى بينا أو فروقا بين دمشق وبيروت وحلب على سبيل المثال. أما أجيال اليوم فهي وبفعل عملية الاستلاب التربوي تتفاخر بالانتماء إلى هذا القطر أو ذاك. وكأنه قد أصبح تاجاً يزين الهامات ووساماً يوضع على الصدور. فيقول أحد الكتاب العرب " أنا لست من أنصار أن نتعلم كثيرا لنصبح وحدويين بل بالعكس ربما نحتاج إلى أن ننتزع الكثير مما تعلمناه لنكتشف أننا عرب .. لماذا؟. لأننا نعيش في عصر احتلال استمر أكثر من الف ومائةسنة فرض معه الأيديولوجيات الساعية إلى طمس الشخصية العربية.
فالتعليم في صورته الحديثة في البلاد العربية هو في الأصل تعليم مستورد. وما زال بتنظيمه
وفلسفته ومحتواه على درجة من الاغتراب والعزلة على واقع الحياة. وبسبب أصوله التاريخية التي مازالت كامنة فيه فإن هذا التعليم في جملته يكاد يتناقض مع متطلبات الوجود العربي الواحد.
وفي هذا السياق التعليم في الوطن العربي غير متجانس ولا يمتلك الحد الضروري من الوحدة والانسجام وهو تأسيسا على ذلك يكرس ظاهرة انفصام الشخصية الثقافية وازدواجها لا توجد في أي قطر عربي مدرسة وطنية عربية بل هنالك مدارس تستنسخ هذا النموذج أو ذاك. النموذج الإنكليزي أو الفرنسي أو خليط منهما معا من جهة والنموذج الإسلامي القديم من جهة أخرى، ولذلك فإن النظام التربوي في البلدان العربية نظام غريب يطفو على سطح المجتمع ويزيد من تعقيد مشاكله. وكذلك وجود انحسار في المد القومي في التعليم العربي وولادة اتجاهات تربوية تعزز الانتماءات القطرية والكيانية الصغرى.
ومع ذلك فالتربية العربية لم تستمد فلسفتها من عقيدة أو غاية قومية محددة إنما نظمت في أدوار متعاقبة سيطر عليها تقليد الدولة المستعمرة لهذا القطر العربي أو ذاك. وهي في تقليدها أو تجديدها لم تبن على تجارب نفسية اجتماعية مستمدة من التاريخ العربي المشترك والحاجات المجتمعية العربية المشتركة.
وهنا
أن العديد من الدول يتم إعداد السياسات والاستراتيجيات التعليمية وتحديدها دون اللجوء إلى عملية
تخطيط رسمية، هذا وتفتقر بعض الدول إلى التخطيط الاستراتيجي الشامل المتوسط أو الطويل الأمد الخاص بقطاع التعليم ويعود السبب في ذلك إلى كون عمليات التخطيط التي تعتمدها متقدمة ولكن غير منظمة ضمن وثيقة خطة قطاعية شاملة، وعلى عكس ذلك قد يرجع الأمر إلى عدم إنشاء نظام التخطيط الوطني أو إلى كونه لا يعمل بشكل سليم.
لذا نحاول هنا التطرق لمفهوم السياسة التربوية وبعض ما يتعلق بها،
فهي عامل مهم ومؤثر في التربية والتعليم ولجميع البلدان والمجتمعات.
السياسية التربوية:
إن صناعة
السياسات التربوية هي احدى مقومات التنمية المستدامة وبناء الحضارة وانتاج المعرفة. من هنا تظهر الحاجة الى وضع سياسات للأنظمة التعليمية. ان النظام التعليمي او
التربوي في حياتنا المعاصرة متنوع السياسات بما في ذلك الإصلاحات المرتبطة
بالميدان التربوي. وهناك فرضية أساسية تتمثل في اعتبار الواقع السياسي كواقع مركزي مؤسسته
في تطور دائم، واقع ينطوي على رؤية
وتطلع إلى المستقبل بأبعاده التحويلية والتغييرية.
تعد السياسة التعليمة اوالتربوية بمعنى اشمل واعم، أحد أهم أركان السياسة العامة لاي دولة باعتبارها تتجه
مباشرة للتعامل مع الإنسان بصفته العامل المؤثر والفعال داخل أي مجتمع. لذا فالنظام
التربوي يستمد قوته وجودته بالنسبة لمخرجاته من اعتماده على سياسة تربوية رصينة وثابتة تعمل على تحديد الإطر
الإجرائية فهذا بدوره يعين في توجيه القرارات والخطط والبرامج التربوية- التعليمية
بالشكل الذي يسهم في تطوير العملية التعليمية. بحيث يكتسب أفراد المجتمع القيم
والمعارف والمهارات والاتجاهات التي تساعدهم على تطوير أنفسهم وبناء مجتمعهم. من
هنا تعتبر عملية بناء السياسات التربوية من أهم متطلبات وضرورات التخطيط والنمو
والتطور لجميع البلدان والدول فهي بمثابة المرشد للتفكير وموجهة للأهداف والوسائل
والإجراءات وغير ذلك.
فهي ايضاً مصدر رئيس في الإعداد والتنمية والتدريب والتعليم
للمخرجات البشرية المؤهلة في المجالات العلمية والاجتماعية والتربوية والثقافية
والعسكرية والفنية والاقتصادية التي يحتاجها المجتمع في تحقيق التقدم والرفاهية. ودعم
عمليتي النمو والتطور في مختلف المستويات والاصعدة. لذلك تسبق السياسة التربوية عملية وضع الخطط وتتصل بفلسفة
المجتمع وأهدافه. وهي الأسلوب الموجه والتفكير المنظم للخطط وتحقيق الأهداف
المرجوة وليست خطة تفصيلية لكنها توجه ورؤية ذات أهداف كبيرة وبعيدة المدى توصل إلى
وضع الخطة التربوية التي تتضمن التفاصيل التنفيذية والاجراءات اللازمة للبرامج
والمشروعات المطلوبة لتحقيق الأهداف المحددة.
أهمية السياسة التربوية في العملية التعليمية- التعلمية:
1) السياسة
التربوية رؤية مجتمعية وإطار مرجعي التي عن طريقها يسعى النظام التعليمي لتحقيق
أهداف ومطالب التنمية العامة ومطامح الدولة. وذلك أن تخطيط التنمية في الموارد
البشرية هو نقطة البدء في كل تخطيط للتنمية الشاملة والمستدامة. وأن الفرد (المتعلم)
هو العنصر الأول في البناء ومن ثم ينبغي البدء به.
2) أن السياسة التربوية عليمية
تنظم للعملية التعليمية- التعلمية ذلك عن طريق التخطيط للمراحل التعليمية
وقطاعاتها وتحديد أهداف واضحة وطموحة لكل مرحلة وتحديد خطط زمنية لتحقيق التقدم
المنشود. وتحقيق الأهداف المرجوة وفي تحديد الأطر والأسس والمبادئ والقيم العامة
التي تسير على ضوئها العملية التعليمية كلها.
3) السياسة
التربوية هي الأساس الذي يحدد حركة التربية المستقبلية لاي مجتمع في اتجاه الإعداد
المتكامل لأجياله وفق المثل العليا التي يتبناها. والتي تشكل مجتمع المستقبل وتوفر
الكفايات النوعية لكل فئة من فئات ابناء المجتمع مما يسهم في تحديد المستويات
العلمية والمهارات والخبرات اللازمة التي يجب أن تتوفر في كل متعلم.
4) أن
السياسة التربوية توائم بين إمكانات المجتمع التي يمكن أن يوظفها لصالح العملية
التربوية والتعليمية وبين الأهداف والطموحات التي تسعى إلى تحقيقها التربية
والتعليم. فلا جدوى من رسم سياسات تعليمية مثالية لا يمكن أن ينهض بها الواقع
التربوي على ارض الواقع. فإذا أريد للنظام التعليمي أن يسير نحو تحقيق الأهداف
التي تخدم المجتمع في ضوء الإمكانات المتاحة بأقل جهد وأقصر فترة زمنية. فلابد من
وضع سياسة تعليمية واقعية تحدد وتوجه النظام التعليمي في ذلك المجتمع لتحقيق
التطور المعرفي، والعلمي، والاجتماعي، والاقتصادي، ورسم خططه ومستقبله. ولابد أن
يوفر لتنفيذ هذه السياسة كل ما تحتاجه من إمكانيات مادية ومعنوية وقوى بشرية عاملة
وتكلفة حتى تفي بكل ما تتطلبه خطط تنمية المجتمع.
5) أن
السياسة التربوية ترسم وتحدد العلاقة بين التنمية الشاملة للدولة وبين التربية
والتعليم. فالتخطيط للتعليم والتخطيط للتنمية الاقتصادية والاجتماعية أمران
متراطبان يؤثر كل منهما في الآخر ويتأثر به. وأصبح التعليم من المتغيرات الرئيسة من
متغيرات النظام العالمي الجديد والحديث. ومعيار من معايير القوة والتفرد
والمنافسـة. وأن احد ابرز طرق مواجهة التحديات العالمية المعاصرة في ثورة المعلومات
والتكنولوجيا وغيرها من التحديات.
6) السياسة
التربوية تسعى للمواءمة بين متطلبات المجتمع وخاصة سوق العمل وبين ما يقدمه
التعليم من تأهيل وتدريب لمخرجاته التعليمية (القدرات البشرية). إذ لا فائدة من
تخريج أفواج تعليمة ضخمة لتصبح مجرد أعداد لا جدوى منها ممكن ان تعمل على تفاقم
البطالة المقنعة. بل لابد من التوافق بين مخرجات النظام التعليمي وما يحتاجه
المجتمع من كوادر مؤهلة ومتخصصة.
مبادئ السياسة التربوية:
يمكن ذكر مبادئ السياسة التربوية:
1) توجيه النظام التربوي ليكون أكثر مواءمة لحاجات الفرد والمجتمع واقامة التوازن بينهما.
2) توفير الفرص لتحقيق مبدأ التربية المستدامة واستتثمار أنماط التربية الموازية بالتنسيق والعدالة والديمقراطية وممارستها.
3) تأكيد أهمية التربية السياسية في النظام التربوي وارساء مبادئ المشاركة والعدالة والديمقراطية وممارستها.
4) توجيه العملية التربوية توجيهاً يطور في شخصية المواطن القدرة على
التحليل والنقد والمبادرة والإبداع والحوار الإيجابي وتعزيز القيم المستمدة من الحضارة العربية والإسلامية والإنسانية.
5) ترسي المنهج العلمي في النظام التربوي تخطيطاً وتنفيذاً وتقويماً وتطوير نظم البحث والتقويم والمتابعة.
6) توسيع أنماط التربية في المؤسسات التربوية لتشمل برامج التربية الخاصة
والموهوبين وذوي الاحتياجات الخاصة.
7) تأكيد مفهوم الخبرة الشاملة بما في ذلك الخبرات المهنية والتكنولوجية.
8) التأكيد على أن التعليم رسالة ومهنة لها قواعدها الخلقية والمهنية.
9) توجيه النظام التعليمي بما يكفل تحقيق مركزية التخطيط العام والمتابعة والامركزية في الإدارة.
10) الاعتزاز بمكانة المعلم العلمية والاجتماعية للدور المتميز في بناء الإنسان والمجتمع.
11)
تأكيد أهمية التربية العسكرية والثقافة البيئية.
تقويم السياسة التربوية
إن عملية
صنع السياسة التربوية عملية مستمرة، إذ تحتاج الى تغيير إما بالإضافة أو الحذف أو التعديل
وتتولد الحاجة الى إجراء مثل هذه التغييرات والتعديلات في السياسات. إذا عبر
العاملين عن عدم رضاهم عنها أو إذا أثبتت التقارير المرفوعة من المشرفين أن هذه
السياسة أو بعضها أثارت مشاكل معينة أو ظهر بها بعض جوانب النقص والخلل.
ويجب أن تكون
هنالك مراجعة مستمرة للسياسات الموضوعة وتطبيقها بغرض اكتشاف الأخطاء أو جوانب
الضعف سواء في السياسة نفسها أو في الطريقة التي تطبق بها. والهدف من تقييم
السياسة التربوية هو قياس مدى تحقيق هذه السياسة للأهداف التي وضعت من أجلها،
والتقييم في السياسة التربوية يكون يفقد قيمته ما لم توظف نتائجه من خلال القرارات
الإدارية نحو تحسين الإجراءات والأساليب المتخذة عند تنفيذ السياسة التربوية. أضف
الى أن التقييم يهدف الى كشف فعالية وأثر عناصر السياسة المختلفة.
وإذا أردنا ان نسترشد بنتائج تقييم اي سياسة تربوية فإن ذلك يتطلب:
1) أن تكون عملية التقييم
شاملة ومستمرة.
2) أن ترتكز بنفس الوقت
الى أسس علمية سليمة لضمان صدق نتائجها، وهنا لابد من الإشارة الى أته عند تقييم
السياسة التربوية فإنه يجب مراعاة المعايير والعناصر التالية:
- الاتساق والتكامل بين
السياسات الفرعية والسياسة العامة حتى لا يكون هنالك تعارض أو تناقض يفقد السياسة
العامة معناها.
- الدقة والوضوح في
صياغة السياسة حتى تعطي الفهم المطلوب ولا تثير أي لبس أو غموض حولها.
- مدى اشتراك العاملين
في المستويات المختلفة في عملية صنع السياسة.
- مدى تناسب السياسة مع الأهداف العامة.
- مرونة السياسة.
- درجة الالتزام بالسياسة كأساس للعمل.
- مدى معرفة العاملين
بهذه السياسة وفهمهم لها.
- شمول السياسة التربوية
بدرجة النشاط المختلفة.
- واقعية السياسة حتى
تقوى على البقاء ومقاومة الضغوط والأزمات.
- مراعاة مدى إيصال
المعلومات من السياسة الى المسـؤولين عنـد تفسيرها وتطبيقها.
المصادر
رشا، محمد (2002) البحث
التربوي وصنع السياسة التعليمية بحوث ودراسات، دار الوفاء، مصر.
نصار، سامي (2005)
قضايا تربوية في عصر العولمة وما بعد الحداثة، الدار المصرية اللبنانية، فلسطين.
بكر، عبد الجواد
(2002) السياسات التعليمية وصنع القرار، دار الوفاء، مصر.
عبد الكريم، نهى
(2009) صنع القرار في السياسة التعليمية، لبنان.
***********************
***********************
تعليقات
إرسال تعليق
اضف ماتريد، رأيك مهم شاركنا به لطفا ... مع خالص الاحترام والمحبة